عن أبي هريرة عنه رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ".(1)
القطعة الأولى : في حال الأمة الإسلامية
كلما تأملنا حال الأمة الإسلامية اليوم، هالنا ما هي فيه من تفرق وتمزق، وقد تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها (2)، حيث افتقدت من يبصرها بالطريق ويعود بها إلى رشدها، من قادتها السياسيين و علمائها الربانيين، فتهاوت وقطعت صلتها بالدين الحق، وفرطت في القيام بوظائف الخلافة في الأرض، فغدت مظاهر التشويش عليها في مختلف المجالات، استشعرت معه الأمة أن شيئا ما يحاك ضدها وأنها مستهدفة في وجودها. فكان الخوف أول سلاح وجهته إليها القوى التي تريد تمزيق الأمة الإسلامية، حيث زرعت في الحاكم الخوف على زوال حكمه من شعبه، وخلقت في الشعب الخوف من الحاكم وسطوته وجبروته، وفجرت بينهم صراعات دموية، جعلت حلها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى إذا ما تمكنت المفاهيم من الناس، وسيسوا بها فضاءاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية والتربوية، أضحى بأسهم بينهم شديدا، فظهرت الثورات والاحتجاجات خربت دولا بكاملها، وكانت شيطنة الغرب المنهجية بارزة فيها. ولما كان الدين هو الموحد لهذه الأمة متى ظهر فيها " المجدد" عمل الغرب- مرة أخرى - على إذكاء النزاعات الطائفية والخلافات المذهبية، وتشجيع الجماعات الصغيرة "المضطهدة "، لتمارس العمل نفسه في تقطيع أوصال المسلمين. وقد تحقق له ذلك بعد أن وسم الدين بالإرهاب والمسلمين بالتكفيريين ، وأصبح العداء بين أتباع الدين الواحد صريحا غير مضمر، وكل جماعة ترى أنها صاحبة "المشروع " المحقق لسعادة الدارين. وبافتقاد الأمة العمل المؤثر في الباطن مع القيام بشرائطه التي تستنفر قدراتها وملكاتها، رضيت بما هي عليه وتركت الآخر يقوم بمهام الفعل السلوكي فيها وفق رؤيته، نزلته به منزلة "المصلح" وأسلمته تدبير شؤونها، فكانت أول قطعة من الليل المظلم تغشى الأمة الإسلامية.
القطعة الثانية : في الفتن التي أربكت الأمة الإسلامية
تسعفنا المعاجم العربية في استجلاء مفهوم الفتنة، التي تدل على الابتلاء والامتحان والاختبار. وأصلها مأخوذ من فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد، وفي الصحاح : إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ، ودينار مفتون. والفتن: الإحراق، ومنه قوله عز وجل : ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ (3) أي يحرقون بالنار، ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان .(4)
فهل ميزت الفتن الرديء فينا من الجيد؟ وهل الفتان منا أو من غيرنا؟
إن الحديث النبوي جعل " الفتن " نكرة منصوبة على المصدرية، وهي مفعول مطلق في كون الفتن غير معلومة ولا محددة في الزمان والمكان، مما يغرقها في المجهول وتغرق هي الأخرى في المجهول. وقد تكون الفتنة ابتلاء من الله تعالى لما يكثر الظلم ويغيب العدل وينتشر الفساد في المجتمع وهذا من سنة الله في الكون . قال تعالى : ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (5) والمترفون في كل أمة هم الطبقة الناعمة التي تنعم بالدعة والراحة والسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة ، وتستهتر بالقيم، وتلغ في الأعراض والحرمات، وهي إذا لم تجد من يضرب على يدها عاثت في الأرض فساداً، ونشرت الفاحشة في الأمة وأشاعتها، وأرخصت القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي ، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها (6)فصارت الفتن التي هي من فعل الأمة الإسلامية تقلقها، وحق لها أن تقلق لما تسببت فيه من تدمير لمقدراتها، بيد أن خصمها الشيطان الخارجي والفتان الداخلي لن يتركاها تسترجع أنفاسها وقوتها وحيويتها من جديد، فالمسألة تم التخطيط لها منذ أمد بعيد.
القطعة الثالثة : في ضمور الإيمان وتحولات الفرد
لا يكاد الناظر يصدق ما حل بالفرد المسلم حيث مرق من دينه إلى التشكيك في المضامين الإسلامية التي ترسم للأمة خطى حياتها، فتوالت عليه قطع الليل المظلم ،" يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا "، بسبب الفراغ الإيماني القاتل للممارسة التعبدية، تحول بفعلها فكر الفرد عن إدراك الحقيقة إلى التعبد للذات والتعلق بها فأصبح عبدا لها. وإلا كيف نفهم ما ورد في الحديث :" يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ..." ؟ إلا بما أودعه في قلبه من أشياء جلبت له المضرة التي عبر عنها الحديث بالفتن ، فأدخلته في تحول مستمر بين الإيمان والكفر . فلما صح تحوله عن الدين وأثمر ، أخذته قوى الشر والظلام ليتحدث بفكرها مقابل المال والرعاية والظهور، فانقض على القيم الدينية يمزق فيها باسم حرية التعبير، وينظر للباطل دون حياء، وفتحت له جميع وسائط الإعلام والاتصال لينشر الفتنة بإرادة وتوجيه غيره، فانجرف معها وتملكته وأعادت تشكيل فكره وحياته من جديد.
نهاية القطع في البدار بالعمل التزكوي الجمعي
إن الحديث ببلاغته النبوية، يدعو الأمة الإسلامية إلى المبادرة بالعمل الذي فيه تزكية للقلوب، ليظهر من سني أفعالها وزكي أحوالها ما يدعو غيرها للإقتداء بها، فتدفع به الفتن وتزيل قطع الظلام التي غشيتها بالمنهج الذي رسمه لها القرآن في قوله تعالى : ﴿ وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ (7) في الطاعة المأمور بها والمعصية المنهي عنها قولا وعملا. لتغدو متحققة بشهود الوحدانية وفهم عن الله وفقه حي، يجيب عن التساؤلات في القضايا الملتبسة.(8) ولن يحفظ وحدة الأمة غير هذا الدين بمضامينه المعرفية والروحية، إذا ما تمت الاستجابة لها ولأحكامه والانتفاع بها طلبا لمقاصدها. وإن فعل الأمر قي قول الرسول الكريم " بادروا " يفيد التعجيل والاستباق في جماعة ومن الجماعة لخير الجماعة، لتقوم بالأعمال المحققة للنفع، وهي أعمال تعبدية برتب متعددة، تورث المعرفة وتدفع شرور الفتنة، فتحولها الأمة بفعل صفاء فهومها وأذواقها إلى ضياء تنير الطريق بوحدة الدين المضمونية وسمو إرشاداته وتعليماته وبياناته لتمكينها من كمال التعبد لله (9)وبسعة جمعية "بادروا ".
منقول عن الكاتب عثمان بن إبراهيم صولحي
القطعة الأولى : في حال الأمة الإسلامية
كلما تأملنا حال الأمة الإسلامية اليوم، هالنا ما هي فيه من تفرق وتمزق، وقد تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها (2)، حيث افتقدت من يبصرها بالطريق ويعود بها إلى رشدها، من قادتها السياسيين و علمائها الربانيين، فتهاوت وقطعت صلتها بالدين الحق، وفرطت في القيام بوظائف الخلافة في الأرض، فغدت مظاهر التشويش عليها في مختلف المجالات، استشعرت معه الأمة أن شيئا ما يحاك ضدها وأنها مستهدفة في وجودها. فكان الخوف أول سلاح وجهته إليها القوى التي تريد تمزيق الأمة الإسلامية، حيث زرعت في الحاكم الخوف على زوال حكمه من شعبه، وخلقت في الشعب الخوف من الحاكم وسطوته وجبروته، وفجرت بينهم صراعات دموية، جعلت حلها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى إذا ما تمكنت المفاهيم من الناس، وسيسوا بها فضاءاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية والتربوية، أضحى بأسهم بينهم شديدا، فظهرت الثورات والاحتجاجات خربت دولا بكاملها، وكانت شيطنة الغرب المنهجية بارزة فيها. ولما كان الدين هو الموحد لهذه الأمة متى ظهر فيها " المجدد" عمل الغرب- مرة أخرى - على إذكاء النزاعات الطائفية والخلافات المذهبية، وتشجيع الجماعات الصغيرة "المضطهدة "، لتمارس العمل نفسه في تقطيع أوصال المسلمين. وقد تحقق له ذلك بعد أن وسم الدين بالإرهاب والمسلمين بالتكفيريين ، وأصبح العداء بين أتباع الدين الواحد صريحا غير مضمر، وكل جماعة ترى أنها صاحبة "المشروع " المحقق لسعادة الدارين. وبافتقاد الأمة العمل المؤثر في الباطن مع القيام بشرائطه التي تستنفر قدراتها وملكاتها، رضيت بما هي عليه وتركت الآخر يقوم بمهام الفعل السلوكي فيها وفق رؤيته، نزلته به منزلة "المصلح" وأسلمته تدبير شؤونها، فكانت أول قطعة من الليل المظلم تغشى الأمة الإسلامية.
القطعة الثانية : في الفتن التي أربكت الأمة الإسلامية
تسعفنا المعاجم العربية في استجلاء مفهوم الفتنة، التي تدل على الابتلاء والامتحان والاختبار. وأصلها مأخوذ من فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد، وفي الصحاح : إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ، ودينار مفتون. والفتن: الإحراق، ومنه قوله عز وجل : ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ (3) أي يحرقون بالنار، ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان .(4)
فهل ميزت الفتن الرديء فينا من الجيد؟ وهل الفتان منا أو من غيرنا؟
إن الحديث النبوي جعل " الفتن " نكرة منصوبة على المصدرية، وهي مفعول مطلق في كون الفتن غير معلومة ولا محددة في الزمان والمكان، مما يغرقها في المجهول وتغرق هي الأخرى في المجهول. وقد تكون الفتنة ابتلاء من الله تعالى لما يكثر الظلم ويغيب العدل وينتشر الفساد في المجتمع وهذا من سنة الله في الكون . قال تعالى : ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (5) والمترفون في كل أمة هم الطبقة الناعمة التي تنعم بالدعة والراحة والسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة ، وتستهتر بالقيم، وتلغ في الأعراض والحرمات، وهي إذا لم تجد من يضرب على يدها عاثت في الأرض فساداً، ونشرت الفاحشة في الأمة وأشاعتها، وأرخصت القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي ، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها (6)فصارت الفتن التي هي من فعل الأمة الإسلامية تقلقها، وحق لها أن تقلق لما تسببت فيه من تدمير لمقدراتها، بيد أن خصمها الشيطان الخارجي والفتان الداخلي لن يتركاها تسترجع أنفاسها وقوتها وحيويتها من جديد، فالمسألة تم التخطيط لها منذ أمد بعيد.
القطعة الثالثة : في ضمور الإيمان وتحولات الفرد
لا يكاد الناظر يصدق ما حل بالفرد المسلم حيث مرق من دينه إلى التشكيك في المضامين الإسلامية التي ترسم للأمة خطى حياتها، فتوالت عليه قطع الليل المظلم ،" يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا "، بسبب الفراغ الإيماني القاتل للممارسة التعبدية، تحول بفعلها فكر الفرد عن إدراك الحقيقة إلى التعبد للذات والتعلق بها فأصبح عبدا لها. وإلا كيف نفهم ما ورد في الحديث :" يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ..." ؟ إلا بما أودعه في قلبه من أشياء جلبت له المضرة التي عبر عنها الحديث بالفتن ، فأدخلته في تحول مستمر بين الإيمان والكفر . فلما صح تحوله عن الدين وأثمر ، أخذته قوى الشر والظلام ليتحدث بفكرها مقابل المال والرعاية والظهور، فانقض على القيم الدينية يمزق فيها باسم حرية التعبير، وينظر للباطل دون حياء، وفتحت له جميع وسائط الإعلام والاتصال لينشر الفتنة بإرادة وتوجيه غيره، فانجرف معها وتملكته وأعادت تشكيل فكره وحياته من جديد.
نهاية القطع في البدار بالعمل التزكوي الجمعي
إن الحديث ببلاغته النبوية، يدعو الأمة الإسلامية إلى المبادرة بالعمل الذي فيه تزكية للقلوب، ليظهر من سني أفعالها وزكي أحوالها ما يدعو غيرها للإقتداء بها، فتدفع به الفتن وتزيل قطع الظلام التي غشيتها بالمنهج الذي رسمه لها القرآن في قوله تعالى : ﴿ وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ (7) في الطاعة المأمور بها والمعصية المنهي عنها قولا وعملا. لتغدو متحققة بشهود الوحدانية وفهم عن الله وفقه حي، يجيب عن التساؤلات في القضايا الملتبسة.(8) ولن يحفظ وحدة الأمة غير هذا الدين بمضامينه المعرفية والروحية، إذا ما تمت الاستجابة لها ولأحكامه والانتفاع بها طلبا لمقاصدها. وإن فعل الأمر قي قول الرسول الكريم " بادروا " يفيد التعجيل والاستباق في جماعة ومن الجماعة لخير الجماعة، لتقوم بالأعمال المحققة للنفع، وهي أعمال تعبدية برتب متعددة، تورث المعرفة وتدفع شرور الفتنة، فتحولها الأمة بفعل صفاء فهومها وأذواقها إلى ضياء تنير الطريق بوحدة الدين المضمونية وسمو إرشاداته وتعليماته وبياناته لتمكينها من كمال التعبد لله (9)وبسعة جمعية "بادروا ".
منقول عن الكاتب عثمان بن إبراهيم صولحي
via مدونة لكل الجزائريين و العرب http://ift.tt/1L7ZUx9
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire