ارزقي فراد يعود إلى مظاهر قمع القبائل بعد الاستقلال / الحلقة الثالثة والأخيرة
بومدين صنّف الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون
محند أرزقي فراد المؤرخ والنائب السابقصورة: (الشروق)
فرنسا لن تضحّي بمصالحها في الجزائر من أجل عيون فرحات مهني
منطقة القبائل ليست جزيرة في محيط ولا مستقبل لدعاة الحكم الذاتي
يختم الدكتور أرزقي فراد هذا الحوار بالتركيز على مظاهر قمع أنصار الأمازيغية بعد الاستقلال، محملا مسؤولية أحداث الربيع الأمازيغي لتعسف النظام وتدخله في أبسط تفاصيل حياة الأمازيغ، منع طاوس عمروش من المشاركة في المهرجان الثقافي الإفريقي وإرسال شاعو للغناء في عيد الكرز وتغيير اسم فريق شبيبة القبائل إلى الكترونيك تيزي وزو.
يدافع عن عبريكا ويتساءل عمن هم وراء تعطيل تفعيل دسترة اللغة الأمازيغية، أي الاعتراف بها لغة رسمية، إلى حد الآن.
لماذا ضيّق بن بلة أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال على الأمازيغية؟
للأسف، عندما قمع بن بلة الجميع حتى أقرب رفقاء السلاح إليه، بسبب تباين رؤاهم السياسية، بل تجرّأ حتى على فرض الإقامة الجبرية على الشيخ البشير الإبراهيمي الرمز لما حاول نقد سياسته الخرقاء. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر، نسي الرئيس أحمد بن بلة أنه رئيس جميع الجزائريين، فأعلن معارضته الشديدة للثقافة الأمازيغية، وهكذا راحت هذه الثقافة ضحية لسياسته الشمولية التي أدّت إلى التصحّر. ولو سادت الحكمة في مطلع الاستقلال لتمّ تبني موقف الحركة الإصلاحية الصحيح من القضية الأمازيغية، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وأودّ أن أشير إلى أن تأسيس الأفافاس لم يتمّ لاعتبارات ثقافية كما يعتقد البعض، بل تأسّس من أجل تصحيح المسار السياسي المنحرف، وإعادته إلى سكة الديمقراطية الواردة في نداء أول نوفمبر 1954م، كما أوضح المجاهد الرائد لخضر بورڤعة في مذكراته المنشورة.
وهل كان هذا القمع مبررا كافيا لنقل القضية الأمازيغية إلى بلد المستعمر من خلال "الأكاديمية البربرية"؟
عندما يُمنع المواطن من حقوقه السياسية والثقافية في بلده، ويشعر بأن حياته في خطر، لا يجد أمامه سوى الهروب إلى حيث الأمن. ومادام الشيء بالشيء يذكر، أشير إلى أن المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده قد اضطرا إلى الفرار بفكرهما الإصلاحي إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة "العروة الوثقى" الحاملة لأفكارهما الإصلاحية. ورأينا أيضا أن العديد من الصحف العربية كانت تصدر في أوروبا الغربية، التي وفرت للنخبة العربية جوا ديمقراطيا مكّنها من القيام بمهمة التنوير. لقد إلتجا أنصار القضية الأمازيغية إلى فرنسا، لنفس الأسباب التي أرغمت المثقفين العرب على الهجرة إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا. زيادة على ذلك، فهناك جالية جزائرية كبيرة في فرنسا كانت رافدا قويا للثقافة الأمازيغية بصفة عامة، خاصة في المجال الغنائي، وهذه الجالية هي التي مكّنت عيسى الجرموني وبڤار حدة، الشيخ الحسناوي وسليمان عازم وزروقي علاوة، وغيرهم من التألق في المهجر.
هناك من يرى أن "الأكاديمية البربرية" ليست مطلبا ثقافيا في منطقة القبائل، وإنما تحصيل حاصل لمشروع فرنسا الاستعمارية في المنطقة أي "قنبلة فرنسا الموقوتة" كما يسميها بعض الباحثين؟
وهل كان استقرار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لبعض الوقت في فرنسا خيانة للوطن؟ الجواب بالنفي قطعا. ودعيني أشرح حقيقة تاريخية مهمة يجهلها الكثير، إن ما أطلق عليه اسم "الأكاديمية البربرية" هي في الحقيقة حسب رواية مؤسسها بسعود محند أعراب -رحمه الله- مجرد جمعية ثقافية متواضعة تعنى باللغة الأمازيغية، بدليل أن التسمية الأمازيغية هي "أڤرَاوْ إيمَازيغنْ". أمّا كلمة "الأكاديمية" فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها. وأكد بسعود محند أعراب في كتابه "تاريخ الأكاديمية البربرية" أن هذه الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا، فمصالح هذه الأخيرة فرضت عليها أن تقف على مسافة من الجمعية في البداية، لتقوم في النهاية بطرد مسؤولها بسعود محند أعراب سنة 1978م من ترابها، وأرغم على مغادرة فرنسا نحو بريطانيا التي عاش بها إلى وفاته.
وعلى أي حال، فإن سياسة القمع هي المسؤولة عن هروب أنصار الأمازيغية بقضيتهم إلى فرنسا، وما يؤكد ذلك أن السلطة الجزائرية قد منعت تدريس الأمازيغية، وإنتاج الأفلام والمسرحيات بها، بل وأكثر من ذلك تجرّأت حتى على منع الحفلات القبائلية في قلب جرجرة، مثل ما فعلت سنة 1974 بمناسبة عيد الكرز بمدينة لربعا ناث يراثن، حينما أرسل المسؤولون مجموعة من الفنانين للغناء باللغة العربية منهم عبد القادر شاعو على حساب تراث المنطقة، فحدث ما حدث من غضب وانتفاضة وتذمر، أدى إلى إلغاء عيد الكرز لمدة طويلة. ومن مظاهر الإقصاء الأخرى منع المواطنين من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية في العديد من بلديات الوطن، ومنع النشاط الثقافي الأمازيغي في برامج ما بين الثانويات المشهور. فماذا نتوقع من الضحية إزاء الجلاد؟
تقول إن الفكرة كانت تأسيس جمعية ثقافية بسيطة، ولكن محمد أعراب مسعود كان متطرفا إلى أبعد من ذلك بكثير حسب المؤرخين؟
نعم، هو رجل متطرف في أفكاره، شتم آيت احمد وغيره. ولكن لم تكن "أكاديمية"، بل مجرد جمعية متواضعة، وقال إنه كان يبحث عن رفع المعنويات في تسميتها، وهذا موجود في الكتاب نفسه. كما هو معروف من يؤسس يختفي دوما عن الواجهة، الجمعية تأسست من طرف عبد القادر رحماني، ونوابه هم خليفاتي محمد أمقران، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، الكاتب العام هو أولحبيب جعفر، وأمين المال هو مسعود محمد أعراب، ولاحظي معي أنه من أسسها، غير أنه اختار المالية، وهو من كان يجمع المال ليسير الجمعية، أما علاقة الأكاديمية بفرنسا فلم تكن علاقة دعم واحتواء كما يدعي البعض.
أيّ الرئيسين كان أكثر تشددا وقمعا للجزائريين القبائل، بن بلة أم بومدين؟
المشكلة في رأيي تكمن في طبيعة النظام السياسي، المتميزة بالاستبداد والأحادية الفكرية ورفض التنوع الثقافي، الذي تزخر به الجزائر التي تشبه القارة في اتساعها وتنوعها بكل المقاييس. ورغم قصر المدة التي قضاها الرئيس أحمد بن بلة -رحمه الله- في السلطة، فلاتزال عبارته المعادية للأمازيغية ترنّ في الآذان (نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب).
أما في عهد الرئيس هواري بومدين -رحمه الله- فقد أدرجت الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وفي عهده تم توقيف الإذاعة المحلية الخاصة بمنطقة القبائل، ولم تستفد القناة الثانية الناطقة بالأمازيغية من ترقية وسائلها التقنية لتمكين المواطنين من التقاطها في كل التراب الوطني، ومنعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، عقابا لها على تعاطفها مع القضية الأمازيغية. كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.
هناك من الباحثين من يرى أن المطالبة بتدريس الأمازيغية، خطة فرنسية للإبقاء على الفرنسية في الجزائر، ما تعليقك؟
ليس من الموضوعية أن نتهم الأمازيغية بتكريس اللغة الفرنسية في الجزائر، لأن أنصار الأمازيغية لم يصلوا إلى السلطة، وعليه فإن إقصاء العربية من مكانتها السيادية في الدولة الجزائرية يتحملها الحكام الذين أداروا ظهورهم للغتهم الوطنية، لذا أفضل أن أسال بدوري: لماذا عزف المعرّبون عن احتضان تراثهم الأمازيغي البارز في كل مناطق القطر، في أشكال عديدة كأسماء الأماكن وبعض العادات؟
لِمَ لم تطرد فرنسا فرحات مهني ودعاة الانفصال مثلما فعلت مع أعراب رغم مصالحها في الجزائر؟
لم تطلب الجزائر من فرنسا طرد فرحات امهني. وأودّ أن أشير إلى أن العواصم الغربية هي التي احتضنت أطياف المعارضة العربية بصفة عامة، لأنها قلاعٌ للديمقراطية. لا أحد يصدّق أن الدولة الفرنسية ستضحي بمصالحها الحيوية في الجزائر من أجل عيون فرحات أمهني. الغرب لا يؤمن بالصداقة بين الشعوب، بل يؤمن بمصالح شعوبه. ماذا تجني فرنسا مقابل مساعدتها لفرحات أمهني؟ طبعا لاشيء، في حين أنها تجني الكثير عندما تغضّ بصرها عن خرق النظام الاستبدادي الجزائري للقيم الديمقراطية. علينا أن نميّز بين مواقف الشعب الفرنسي، المتمسك بالثقافة الديمقراطية، والمساند للقضايا التي يراها عادلة، وبين مواقف الدولة الفرنسية البراغماتية/النفعية، التي لا تقيم وزنا للمبادئ الديمقراطية، بدليل أنها تغاضت عن جريمة اغتيال المعارض علي مسيلي (من حزب الأفافاس) في العاصمة الفرنسية في شهر أفريل 1987م، وسمحت للقاتل بالعودة إلى الجزائر، كأن جريمة لم تُرتكب.
ما هي أهم منابر النضال الأمازيغي في السبعينيات؟
نتيجة لغياب المنابر الديمقراطية في الجزائر، تحوّل فريق شبيبة القبائل JSK إلى منبر للدفاع عن الثقافة الأمازيغية عن طريق رفع شعارات الأمازيغية، وأداء الأغاني السياسية الملتزمة التي كان يؤديها فنانون ملتزمون من حجم سليمان عازم، وآيت منڤلات، ومعطوب لوناس، وإيدير وفرحات امهني، وفرقة جرجرة النسوية وغيرهم.
وأتذكر جيدا مباراة نهائي الكأس التي حضرها الرئيس هواري بومدين، في ملعب 5 جويلية بالعاصمة، جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977، وكانت مدرّجات الملعب مكتظة بأنصار شبيبة القبائل، الذين حوّلوا هذه المناسبة إلى مهرجان سياسي للمطالبة بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية. والأكيد أن الرئيس قد ضجر من حناجر آلاف الأنصار التي كانت تغني للأمازيغية، بدليل أنه قرّر عقب ذلك إلغاء تسمية "شبيبة القبائلJSK" بعد إدراكه أن أنصار هذا الفريق قد جعلوه منبرا للنضال الثقافي، فتحوّل بعد التغيير إلى "جمعية إلكترونيك تيزي وزو"! وبرز أيضا الأديب المبدع موحيا بمسرحياته الهادفة، وكلماته التي أداها العديد من الفنانين الكبار.
كيف عشت أحداث الربيع الأمازيغي ابتداء من 20 أفريل 1980، وأين كنت وقتها؟
كنت في تلك الفترة أستاذا للتاريخ والجغرافيا في ثانوية عبد الرحمن الأيلولي بلربعا ناث يراثن، وبموازاة التدريس كنت بصدد إعداد ديبلوم الدراسات المعمقة DEA حول الإمارات البربرية في الأندلس، كما سبق أن أوضحت في الحلقة الأولى، ولم أشارك في الأحداث مشاركة مباشرة.
كان الوعي السياسي قد بلغ مداه، بفضل نشاط خلايا حزب الأفافاس، ونشاط الأكاديمية الأمازيغية التي كانت دروسها تصل بطرق ملتوية إلى منطقة القبائل في شكل مطبوعات.
بدأت بوادر الانفجار تبرز شيئا فشيئا كشن إضرابات طلابية هنا وهناك لأسباب كثيرة، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، وتمثل السبب المباشر في منع الأستاذ مولود معمري من طرف سلطات ولاية تيزي وزو من إلقاء محاضرة في الجامعة حول الشاعر الكبير سي محند أومحند في شهر مارس 1980م.
وظلت ردود الفعل تتوارد وتعتمل في النفوس، فأعلن الطلبة إضرابا عاما، واعتصموا في الجامعات والثانويات وساندهم العمال. وفي يوم 20 أفريل اقتحمت قواتُ الأمن الإقامة الجامعية بتيزي وزو ليلا، بعنف شديد استنكره أولياء الطلبة، الذين أعلنوا تعاطفهم مع أبنائهم، فعمّت الاضطرابات، واعتقلت قوات الأمن مجموعة من الطلبة. ولم تهدأ الأمور إلا بعد أشهر.
هذا وقد امتدت هذه الأحداث إلى العاصمة الجزائرية، فكسّرت الحصار المفروض على القضية الأمازيغية، الأمر الذي أدى إلى رضوخ الحكومة ففتحت باب الحوار مع الطلبة، بواسطة وزير التعليم العالي أنذاك عبد الحق برارحي، أدى إلى فتح عهد جديد للقضية الأمازيغية. وسُميت هذه الأحداث بالربيع الأمازيغي تبركا بنتائجها الإيجابية، وكانت بمثابة مقدمة لعهد الديمقراطية في الجزائر، بدأت بفك القيود عن الثقافة الامازيغية، ثم تلاها تأسيس رابطة حقوق الإنسان، وجمعية خاصة بأبناء الشهداء، ثم ظهرت الحركة الثقافية البربرية MCB التي تكفلت بالدفاع عن القضية الأمازيغية.
والجدير بالذكر أن ثمن هذا النضال كان كبيرا، إذ تم اعتقال جماعة من المناضلين المسؤولين البارزين (24 شخصا)، منهم السعيد خليل، السعيد سعدي، جمال زناتي، علي براهيمي، مولود لوناسي، أرزقي آيت العربي، أرزقي عبوط، رشيد حاليت، محمد ستيت، مقران شميم، بوكريف صالح، وغيرهم. وقد تعاطفت المنطقة معهم إلى أن تم إطلاقُ سراحهم من سجن البرواڤية يوم 26 جوان 1980، واستقبلوا استقبال الأبطال.
لقد حقق الربيع الأمازيغي هدفا هاما تمثل في تكسير جدار الخوف، وصار بمثابة أرضية صلبة ساعدت على استمرار صيرورة التغيير، بظهور أحداث 5 أكتوبر 1988 التي عمّت كامل التراب الوطني.
بماذا تفسّر تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية في عهد الرئيس زروال "الشاوي"، ألا يُعتبر ذلك نوعا من التعاطف مع القضية الامازيغية؟
إن تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية، جاء نتيجة لتراكم نضال أجيال عديدة، وكان إضراب المحفظة الذي شل الدراسة في منطقة القبائل خلال السنة الدراسية 1994- 1995 سببا مباشرا في تأسيسها. وعليه لا وجود للعامل الذاتي في موقف رئيس الدولة عند ظهور هذه المؤسسة الخاصة برعاية الأمازيغية.
الدسترة جاءت بعد أحداث "الربيع الأسود"، وروجت بعض المصادر السياسية أن عبريكا اغتنى من مهمته كمفاوض مع السلطة وقتها، ما رأيكم؟
لا يمكن فصل حركة لعروش عن دينامكية النضال الديمقراطي الطويل من أجل إعادة الاعتبار للأمازيغية، فهي حلقة هامة في سلسلة نضال أجيال عديدة. واندلعت أحداث لعروش احتجاجا على تعسف الدرك الوطني، الذي بلغ مداه باغتيال الطالب ماسينيسا -رحمه الله- سنة 2001م، وتمحورت أرضية لقصر التي حرّرتها حركة لعروش في 14 جوان 2001 حول مطالب ديمقراطية، تضمنت القضية الأمازيغية. صحيح، دسترة الأمازيغية بموجب تعديل الدستور في 2002م، جاء استجابة لهذه الأرضية السياسية، ولم تكن هدية من السلطة، التي نعترف لها بالشجاعة في اتخاذ الموقف. بلعيد عبريكا رجل شريف، ناضل من أجل قضية وطنية عادلة، والاختلاف في الآراء السياسية ضرورة ديمقراطية، علينا أن نتفادى بخس الناس أشياءهم، وليس من العدل سرعة العذل لأسباب واهية.
قلت إن وقت السياسة انتهى، والآن جاءت مرحلة العمل الأكاديمي، ماذا تقصد؟
بعد أن نجح النضال السياسي في إعطاء الشرعية القانونية للأمازيغية، بإدراجها في الدستور لغة وطنية، آن الأوان ليتراجع الدور السياسي إلى الوراء قليلا، لفسح المجال للباحثين للعمل في هدوء من أجل ترقيتها بالبحوث العلمية في جميع المجالات، ويجب أن تركز الجهود على مطالبة الدولة بتوفير شروط البحث العلمي الضرورية.
بماذا تردون كباحث على دعاة الحكم الذاتي؟ وباعتباركم ابن المنطقة، هل يملكون قاعدة شعبية في الداخل مثلما يدعون؟
في كل المجتمعات هناك مظاهر للتطرّف، وأنا على يقين أن الذين يدعون إلى تحويل منطقة القبائل إلى جزيرة معادية للمحيط، يسيرون عكس اتجاه الشمس، يغرّدون خارج السرب، ولا مستقبل لهم في المنطقة. وأفضل مواجهتهم وإسكاتهم بالقواعد الديمقراطية، لأن الحق لا يخشى الباطل.
ولماذا لم يتم تفعيل دسترة الأمازيغية على أرض الواقع؟
لا أملك الجواب، لكن هذا الواقع يقلقني. أخشى أن يكون السبب هو محاولة للالتفاف على هذا المكسب الثقافي، مثلما تمّ الالتفاف على المكسب الديمقراطي فأجهض في السنوات الأخيرة. رجائي ألا ّ تتحوّل مخاوفي إلى كابوس حقيقي.
كباحث وكاتب، ما هي مشاريعك في هذا الإطار؟
مشاريعي كثيرة، أنا بصدد انجاز أعمال متنوّعة، في سياق الجهود الرامية إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثقافة الأمازيغية المهددة بالزوال. وأجد نفسي أمام مقولة شيخ المؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله، القائل: "مشروعي ممدود، وعمري محدود".
بومدين صنّف الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون
محند أرزقي فراد المؤرخ والنائب السابقصورة: (الشروق)
فرنسا لن تضحّي بمصالحها في الجزائر من أجل عيون فرحات مهني
منطقة القبائل ليست جزيرة في محيط ولا مستقبل لدعاة الحكم الذاتي
يختم الدكتور أرزقي فراد هذا الحوار بالتركيز على مظاهر قمع أنصار الأمازيغية بعد الاستقلال، محملا مسؤولية أحداث الربيع الأمازيغي لتعسف النظام وتدخله في أبسط تفاصيل حياة الأمازيغ، منع طاوس عمروش من المشاركة في المهرجان الثقافي الإفريقي وإرسال شاعو للغناء في عيد الكرز وتغيير اسم فريق شبيبة القبائل إلى الكترونيك تيزي وزو.
يدافع عن عبريكا ويتساءل عمن هم وراء تعطيل تفعيل دسترة اللغة الأمازيغية، أي الاعتراف بها لغة رسمية، إلى حد الآن.
لماذا ضيّق بن بلة أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال على الأمازيغية؟
للأسف، عندما قمع بن بلة الجميع حتى أقرب رفقاء السلاح إليه، بسبب تباين رؤاهم السياسية، بل تجرّأ حتى على فرض الإقامة الجبرية على الشيخ البشير الإبراهيمي الرمز لما حاول نقد سياسته الخرقاء. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر، نسي الرئيس أحمد بن بلة أنه رئيس جميع الجزائريين، فأعلن معارضته الشديدة للثقافة الأمازيغية، وهكذا راحت هذه الثقافة ضحية لسياسته الشمولية التي أدّت إلى التصحّر. ولو سادت الحكمة في مطلع الاستقلال لتمّ تبني موقف الحركة الإصلاحية الصحيح من القضية الأمازيغية، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وأودّ أن أشير إلى أن تأسيس الأفافاس لم يتمّ لاعتبارات ثقافية كما يعتقد البعض، بل تأسّس من أجل تصحيح المسار السياسي المنحرف، وإعادته إلى سكة الديمقراطية الواردة في نداء أول نوفمبر 1954م، كما أوضح المجاهد الرائد لخضر بورڤعة في مذكراته المنشورة.
وهل كان هذا القمع مبررا كافيا لنقل القضية الأمازيغية إلى بلد المستعمر من خلال "الأكاديمية البربرية"؟
عندما يُمنع المواطن من حقوقه السياسية والثقافية في بلده، ويشعر بأن حياته في خطر، لا يجد أمامه سوى الهروب إلى حيث الأمن. ومادام الشيء بالشيء يذكر، أشير إلى أن المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده قد اضطرا إلى الفرار بفكرهما الإصلاحي إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة "العروة الوثقى" الحاملة لأفكارهما الإصلاحية. ورأينا أيضا أن العديد من الصحف العربية كانت تصدر في أوروبا الغربية، التي وفرت للنخبة العربية جوا ديمقراطيا مكّنها من القيام بمهمة التنوير. لقد إلتجا أنصار القضية الأمازيغية إلى فرنسا، لنفس الأسباب التي أرغمت المثقفين العرب على الهجرة إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا. زيادة على ذلك، فهناك جالية جزائرية كبيرة في فرنسا كانت رافدا قويا للثقافة الأمازيغية بصفة عامة، خاصة في المجال الغنائي، وهذه الجالية هي التي مكّنت عيسى الجرموني وبڤار حدة، الشيخ الحسناوي وسليمان عازم وزروقي علاوة، وغيرهم من التألق في المهجر.
هناك من يرى أن "الأكاديمية البربرية" ليست مطلبا ثقافيا في منطقة القبائل، وإنما تحصيل حاصل لمشروع فرنسا الاستعمارية في المنطقة أي "قنبلة فرنسا الموقوتة" كما يسميها بعض الباحثين؟
وهل كان استقرار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لبعض الوقت في فرنسا خيانة للوطن؟ الجواب بالنفي قطعا. ودعيني أشرح حقيقة تاريخية مهمة يجهلها الكثير، إن ما أطلق عليه اسم "الأكاديمية البربرية" هي في الحقيقة حسب رواية مؤسسها بسعود محند أعراب -رحمه الله- مجرد جمعية ثقافية متواضعة تعنى باللغة الأمازيغية، بدليل أن التسمية الأمازيغية هي "أڤرَاوْ إيمَازيغنْ". أمّا كلمة "الأكاديمية" فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها. وأكد بسعود محند أعراب في كتابه "تاريخ الأكاديمية البربرية" أن هذه الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا، فمصالح هذه الأخيرة فرضت عليها أن تقف على مسافة من الجمعية في البداية، لتقوم في النهاية بطرد مسؤولها بسعود محند أعراب سنة 1978م من ترابها، وأرغم على مغادرة فرنسا نحو بريطانيا التي عاش بها إلى وفاته.
وعلى أي حال، فإن سياسة القمع هي المسؤولة عن هروب أنصار الأمازيغية بقضيتهم إلى فرنسا، وما يؤكد ذلك أن السلطة الجزائرية قد منعت تدريس الأمازيغية، وإنتاج الأفلام والمسرحيات بها، بل وأكثر من ذلك تجرّأت حتى على منع الحفلات القبائلية في قلب جرجرة، مثل ما فعلت سنة 1974 بمناسبة عيد الكرز بمدينة لربعا ناث يراثن، حينما أرسل المسؤولون مجموعة من الفنانين للغناء باللغة العربية منهم عبد القادر شاعو على حساب تراث المنطقة، فحدث ما حدث من غضب وانتفاضة وتذمر، أدى إلى إلغاء عيد الكرز لمدة طويلة. ومن مظاهر الإقصاء الأخرى منع المواطنين من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية في العديد من بلديات الوطن، ومنع النشاط الثقافي الأمازيغي في برامج ما بين الثانويات المشهور. فماذا نتوقع من الضحية إزاء الجلاد؟
تقول إن الفكرة كانت تأسيس جمعية ثقافية بسيطة، ولكن محمد أعراب مسعود كان متطرفا إلى أبعد من ذلك بكثير حسب المؤرخين؟
نعم، هو رجل متطرف في أفكاره، شتم آيت احمد وغيره. ولكن لم تكن "أكاديمية"، بل مجرد جمعية متواضعة، وقال إنه كان يبحث عن رفع المعنويات في تسميتها، وهذا موجود في الكتاب نفسه. كما هو معروف من يؤسس يختفي دوما عن الواجهة، الجمعية تأسست من طرف عبد القادر رحماني، ونوابه هم خليفاتي محمد أمقران، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، الكاتب العام هو أولحبيب جعفر، وأمين المال هو مسعود محمد أعراب، ولاحظي معي أنه من أسسها، غير أنه اختار المالية، وهو من كان يجمع المال ليسير الجمعية، أما علاقة الأكاديمية بفرنسا فلم تكن علاقة دعم واحتواء كما يدعي البعض.
أيّ الرئيسين كان أكثر تشددا وقمعا للجزائريين القبائل، بن بلة أم بومدين؟
المشكلة في رأيي تكمن في طبيعة النظام السياسي، المتميزة بالاستبداد والأحادية الفكرية ورفض التنوع الثقافي، الذي تزخر به الجزائر التي تشبه القارة في اتساعها وتنوعها بكل المقاييس. ورغم قصر المدة التي قضاها الرئيس أحمد بن بلة -رحمه الله- في السلطة، فلاتزال عبارته المعادية للأمازيغية ترنّ في الآذان (نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب).
أما في عهد الرئيس هواري بومدين -رحمه الله- فقد أدرجت الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وفي عهده تم توقيف الإذاعة المحلية الخاصة بمنطقة القبائل، ولم تستفد القناة الثانية الناطقة بالأمازيغية من ترقية وسائلها التقنية لتمكين المواطنين من التقاطها في كل التراب الوطني، ومنعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، عقابا لها على تعاطفها مع القضية الأمازيغية. كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.
هناك من الباحثين من يرى أن المطالبة بتدريس الأمازيغية، خطة فرنسية للإبقاء على الفرنسية في الجزائر، ما تعليقك؟
ليس من الموضوعية أن نتهم الأمازيغية بتكريس اللغة الفرنسية في الجزائر، لأن أنصار الأمازيغية لم يصلوا إلى السلطة، وعليه فإن إقصاء العربية من مكانتها السيادية في الدولة الجزائرية يتحملها الحكام الذين أداروا ظهورهم للغتهم الوطنية، لذا أفضل أن أسال بدوري: لماذا عزف المعرّبون عن احتضان تراثهم الأمازيغي البارز في كل مناطق القطر، في أشكال عديدة كأسماء الأماكن وبعض العادات؟
لِمَ لم تطرد فرنسا فرحات مهني ودعاة الانفصال مثلما فعلت مع أعراب رغم مصالحها في الجزائر؟
لم تطلب الجزائر من فرنسا طرد فرحات امهني. وأودّ أن أشير إلى أن العواصم الغربية هي التي احتضنت أطياف المعارضة العربية بصفة عامة، لأنها قلاعٌ للديمقراطية. لا أحد يصدّق أن الدولة الفرنسية ستضحي بمصالحها الحيوية في الجزائر من أجل عيون فرحات أمهني. الغرب لا يؤمن بالصداقة بين الشعوب، بل يؤمن بمصالح شعوبه. ماذا تجني فرنسا مقابل مساعدتها لفرحات أمهني؟ طبعا لاشيء، في حين أنها تجني الكثير عندما تغضّ بصرها عن خرق النظام الاستبدادي الجزائري للقيم الديمقراطية. علينا أن نميّز بين مواقف الشعب الفرنسي، المتمسك بالثقافة الديمقراطية، والمساند للقضايا التي يراها عادلة، وبين مواقف الدولة الفرنسية البراغماتية/النفعية، التي لا تقيم وزنا للمبادئ الديمقراطية، بدليل أنها تغاضت عن جريمة اغتيال المعارض علي مسيلي (من حزب الأفافاس) في العاصمة الفرنسية في شهر أفريل 1987م، وسمحت للقاتل بالعودة إلى الجزائر، كأن جريمة لم تُرتكب.
ما هي أهم منابر النضال الأمازيغي في السبعينيات؟
نتيجة لغياب المنابر الديمقراطية في الجزائر، تحوّل فريق شبيبة القبائل JSK إلى منبر للدفاع عن الثقافة الأمازيغية عن طريق رفع شعارات الأمازيغية، وأداء الأغاني السياسية الملتزمة التي كان يؤديها فنانون ملتزمون من حجم سليمان عازم، وآيت منڤلات، ومعطوب لوناس، وإيدير وفرحات امهني، وفرقة جرجرة النسوية وغيرهم.
وأتذكر جيدا مباراة نهائي الكأس التي حضرها الرئيس هواري بومدين، في ملعب 5 جويلية بالعاصمة، جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977، وكانت مدرّجات الملعب مكتظة بأنصار شبيبة القبائل، الذين حوّلوا هذه المناسبة إلى مهرجان سياسي للمطالبة بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية. والأكيد أن الرئيس قد ضجر من حناجر آلاف الأنصار التي كانت تغني للأمازيغية، بدليل أنه قرّر عقب ذلك إلغاء تسمية "شبيبة القبائلJSK" بعد إدراكه أن أنصار هذا الفريق قد جعلوه منبرا للنضال الثقافي، فتحوّل بعد التغيير إلى "جمعية إلكترونيك تيزي وزو"! وبرز أيضا الأديب المبدع موحيا بمسرحياته الهادفة، وكلماته التي أداها العديد من الفنانين الكبار.
كيف عشت أحداث الربيع الأمازيغي ابتداء من 20 أفريل 1980، وأين كنت وقتها؟
كنت في تلك الفترة أستاذا للتاريخ والجغرافيا في ثانوية عبد الرحمن الأيلولي بلربعا ناث يراثن، وبموازاة التدريس كنت بصدد إعداد ديبلوم الدراسات المعمقة DEA حول الإمارات البربرية في الأندلس، كما سبق أن أوضحت في الحلقة الأولى، ولم أشارك في الأحداث مشاركة مباشرة.
كان الوعي السياسي قد بلغ مداه، بفضل نشاط خلايا حزب الأفافاس، ونشاط الأكاديمية الأمازيغية التي كانت دروسها تصل بطرق ملتوية إلى منطقة القبائل في شكل مطبوعات.
بدأت بوادر الانفجار تبرز شيئا فشيئا كشن إضرابات طلابية هنا وهناك لأسباب كثيرة، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، وتمثل السبب المباشر في منع الأستاذ مولود معمري من طرف سلطات ولاية تيزي وزو من إلقاء محاضرة في الجامعة حول الشاعر الكبير سي محند أومحند في شهر مارس 1980م.
وظلت ردود الفعل تتوارد وتعتمل في النفوس، فأعلن الطلبة إضرابا عاما، واعتصموا في الجامعات والثانويات وساندهم العمال. وفي يوم 20 أفريل اقتحمت قواتُ الأمن الإقامة الجامعية بتيزي وزو ليلا، بعنف شديد استنكره أولياء الطلبة، الذين أعلنوا تعاطفهم مع أبنائهم، فعمّت الاضطرابات، واعتقلت قوات الأمن مجموعة من الطلبة. ولم تهدأ الأمور إلا بعد أشهر.
هذا وقد امتدت هذه الأحداث إلى العاصمة الجزائرية، فكسّرت الحصار المفروض على القضية الأمازيغية، الأمر الذي أدى إلى رضوخ الحكومة ففتحت باب الحوار مع الطلبة، بواسطة وزير التعليم العالي أنذاك عبد الحق برارحي، أدى إلى فتح عهد جديد للقضية الأمازيغية. وسُميت هذه الأحداث بالربيع الأمازيغي تبركا بنتائجها الإيجابية، وكانت بمثابة مقدمة لعهد الديمقراطية في الجزائر، بدأت بفك القيود عن الثقافة الامازيغية، ثم تلاها تأسيس رابطة حقوق الإنسان، وجمعية خاصة بأبناء الشهداء، ثم ظهرت الحركة الثقافية البربرية MCB التي تكفلت بالدفاع عن القضية الأمازيغية.
والجدير بالذكر أن ثمن هذا النضال كان كبيرا، إذ تم اعتقال جماعة من المناضلين المسؤولين البارزين (24 شخصا)، منهم السعيد خليل، السعيد سعدي، جمال زناتي، علي براهيمي، مولود لوناسي، أرزقي آيت العربي، أرزقي عبوط، رشيد حاليت، محمد ستيت، مقران شميم، بوكريف صالح، وغيرهم. وقد تعاطفت المنطقة معهم إلى أن تم إطلاقُ سراحهم من سجن البرواڤية يوم 26 جوان 1980، واستقبلوا استقبال الأبطال.
لقد حقق الربيع الأمازيغي هدفا هاما تمثل في تكسير جدار الخوف، وصار بمثابة أرضية صلبة ساعدت على استمرار صيرورة التغيير، بظهور أحداث 5 أكتوبر 1988 التي عمّت كامل التراب الوطني.
بماذا تفسّر تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية في عهد الرئيس زروال "الشاوي"، ألا يُعتبر ذلك نوعا من التعاطف مع القضية الامازيغية؟
إن تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية، جاء نتيجة لتراكم نضال أجيال عديدة، وكان إضراب المحفظة الذي شل الدراسة في منطقة القبائل خلال السنة الدراسية 1994- 1995 سببا مباشرا في تأسيسها. وعليه لا وجود للعامل الذاتي في موقف رئيس الدولة عند ظهور هذه المؤسسة الخاصة برعاية الأمازيغية.
الدسترة جاءت بعد أحداث "الربيع الأسود"، وروجت بعض المصادر السياسية أن عبريكا اغتنى من مهمته كمفاوض مع السلطة وقتها، ما رأيكم؟
لا يمكن فصل حركة لعروش عن دينامكية النضال الديمقراطي الطويل من أجل إعادة الاعتبار للأمازيغية، فهي حلقة هامة في سلسلة نضال أجيال عديدة. واندلعت أحداث لعروش احتجاجا على تعسف الدرك الوطني، الذي بلغ مداه باغتيال الطالب ماسينيسا -رحمه الله- سنة 2001م، وتمحورت أرضية لقصر التي حرّرتها حركة لعروش في 14 جوان 2001 حول مطالب ديمقراطية، تضمنت القضية الأمازيغية. صحيح، دسترة الأمازيغية بموجب تعديل الدستور في 2002م، جاء استجابة لهذه الأرضية السياسية، ولم تكن هدية من السلطة، التي نعترف لها بالشجاعة في اتخاذ الموقف. بلعيد عبريكا رجل شريف، ناضل من أجل قضية وطنية عادلة، والاختلاف في الآراء السياسية ضرورة ديمقراطية، علينا أن نتفادى بخس الناس أشياءهم، وليس من العدل سرعة العذل لأسباب واهية.
قلت إن وقت السياسة انتهى، والآن جاءت مرحلة العمل الأكاديمي، ماذا تقصد؟
بعد أن نجح النضال السياسي في إعطاء الشرعية القانونية للأمازيغية، بإدراجها في الدستور لغة وطنية، آن الأوان ليتراجع الدور السياسي إلى الوراء قليلا، لفسح المجال للباحثين للعمل في هدوء من أجل ترقيتها بالبحوث العلمية في جميع المجالات، ويجب أن تركز الجهود على مطالبة الدولة بتوفير شروط البحث العلمي الضرورية.
بماذا تردون كباحث على دعاة الحكم الذاتي؟ وباعتباركم ابن المنطقة، هل يملكون قاعدة شعبية في الداخل مثلما يدعون؟
في كل المجتمعات هناك مظاهر للتطرّف، وأنا على يقين أن الذين يدعون إلى تحويل منطقة القبائل إلى جزيرة معادية للمحيط، يسيرون عكس اتجاه الشمس، يغرّدون خارج السرب، ولا مستقبل لهم في المنطقة. وأفضل مواجهتهم وإسكاتهم بالقواعد الديمقراطية، لأن الحق لا يخشى الباطل.
ولماذا لم يتم تفعيل دسترة الأمازيغية على أرض الواقع؟
لا أملك الجواب، لكن هذا الواقع يقلقني. أخشى أن يكون السبب هو محاولة للالتفاف على هذا المكسب الثقافي، مثلما تمّ الالتفاف على المكسب الديمقراطي فأجهض في السنوات الأخيرة. رجائي ألا ّ تتحوّل مخاوفي إلى كابوس حقيقي.
كباحث وكاتب، ما هي مشاريعك في هذا الإطار؟
مشاريعي كثيرة، أنا بصدد انجاز أعمال متنوّعة، في سياق الجهود الرامية إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثقافة الأمازيغية المهددة بالزوال. وأجد نفسي أمام مقولة شيخ المؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله، القائل: "مشروعي ممدود، وعمري محدود".
via مدونة لكل الجزائريين و العرب http://ift.tt/S5w71S
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire