mardi 29 avril 2014

طريق الخلاص وكيفية تحقيق الإخلاص.



بسم الرحمن الرحيم






الحمد لله وحده المتفرد بالجلال والكمال ، والكبير المتعال ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه وسلم ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين .



أما بعد :



آيات في الإخلاص :



قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة: 5 ] وَقَالَ: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر: 2 - 3 ] .



وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي - فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ } [الزمر: 14 - 15 ] .



وَقَالَ لَهُ: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 162 - 163 ] .







وَقَالَ: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [الملك: 2 ].



قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: هُوَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا، وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا. لَمْ يُقْبَلْ. وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا: لَمْ يُقْبَلْ. حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110 ] .



هذه بعض الآيات في الإخلاص ، وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب إذا فهمها العبد فهما صحيحا فهم معنى توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وتجريد المتابعة لرسوله وإفراده بذلك . وَقَدْ تَنَوَّعَتْ عِبَارَاتُ العلماء من السلف والخلف فِي الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ ، وَالْقَصْدُ وَاحِدٌ.



ومن أحسن ما قِيلَ: الْإِخْلَاصُاسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. أي إذا صلح الباطن بالإخلاص وصدق التوجه ، وقوة اليقين وكان ظاهره مطابقا لذلك فهو المخلص .



وَالرِّيَاءُ: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ خَيْرًا مِنْ بَاطِنِهِ. وَالصِّدْقُ فِي الْإِخْلَاصِ: أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ أَعْمَرَ مِنْ ظَاهِرِهِ. وأفضل منها أن يكون ظاهره وباطنه على حالة واحدة .



تحقيق الإخلاص :



وأمر الإخلاص أمر مهم للغاية وصعب تحقيقه ، إلا على من وفقه الله تعالى وزين في قلبه الإيمان والصدق وملأ نفوسه توفيقا وحبا وتعظيما للأمر والنهي ، وعلى العبد المسلم أن يجتهد في تخليص توحيده وعمله ، وتجريد متابعته لنبيه ، فالعمل لا يقبل إلا على هذين الأصلين ، فينبغي عليه تصفية قلبه من الشوائب والشبهات التي تكدر الإخلاص والمتابعة ، وتحبط العمل .فقد قال عليه الصلاة والسلام : << من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد >> . رواه البخاري موصولا ( 2/166 ) ومعلقا مجزوما ( 2/25 , 4/437 ) ومسلم ( 5/132 ) وأبو داود (رقم 4606 ) وابن ماجه (رقم 14 ).



وليعلم العبد أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه وليعلم أن أمر الشرك الأصغر من الرياء والسمعة والعجب خطير جدا ، قد يحبط عمله يسير الرياء وهو لا يشعر ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: << أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ. مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ بِهِ. وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ >> .رواه أحمد ومسلم ( 2985 ) والترمذي ( 3154 ) وابن ماجة ( 4202 ) صحيح الجامع ( 4313 )وقال (صحيح) .





فليكن دائما متيقظا فطنا مرابطا على ثغور مداخل الشيطان الكثيرة حتى يدفع كل داخل مما يفسد عليه إخلاصه وعمله بقوة الإيمان وصدق اللجوء والإخلاص واليقين ومتابعة السنة ، وخوف بلا قنوط ورجاء بلا تواكل ، وليعلم أن العمل بين الإخلاص والرياء على أربع مراتب :



1 - أن يكون قصده الرياء من أول قيامه بالعمل فهذا قد حبط عمله .. وخسر خسرانا مبينا ، ويوم القيامة يقال له اذهب لمن كنت تعمل هل تجد لك عندهم شيئا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: << أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ>> صحيح ابن ماجة ( 4202 ).



وَفِي الأثَر : يَقُولُ الله << لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اذْهَبْ فَخُذْ أَجْرَكَ مِمَّنْ عَمِلْتَ لَهُ. لَا أَجْرَ لَكَ عِنْدَنَا >> .



قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء( 1/1756 ) تقدم فِيهِ من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد بِنَحْوِهِ وَتقدم فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة << من عمل عملا أشرك فِيهِ معي غَيْرِي تركته وشريكه>> وَفِي رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ << فَهُوَ لَهُ كُله >> .







وقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: إن الله يقول:<< أنا خير شريك ، فمن أشرك بي أحدا فهو لشريكي! يا أيها الناس ! أخلصوا الأعمال لله، فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما خلص له، ولا تقولوا: هذا لله وللرحم وليس لله منه شيء! ولا تقولوا: هذا لله ولوجوهكم ، فإنه لوجوهكم، وليس لله منه شيء >>. السلسلة الصحيحة ( 2764 ).



فلذلك يجب أن يكون القصد أول ما يكون وآخر ما يكون لله تعالى ، فلا تشرك أحدا في قصدك وعملك لا قبل العمل ولا بعده ، ولكن الكثير من الناس اليوم يقدم وجه المخلوق على وجه الخالق ومرضاته فيقول : لولا وجه فلان ما فلعته ، أو يقول : من أجل هذا الوجه العزيز أن تفعل كذا ، أو يقول : أنا عازم عليك وعلى الله ، فكل هذا من الشرك الذي لا يقبل الله معه شيئا، فإذا كان قصد الشخص وجه الله أولا ثم أشرك معه وجه غيره أو جاهه لم يقبله الله يحبط عمله ؛ فكيف بمن يقدم قصده للمخلوق على الخالق ؟



2 - أن يكون قصده الإخلاص ثم طرأ عليه الشرك الأصغر الرياء ، والتسميع والعجب ولو بعد العمل ، فيعالجه ويدفعه فيغلب الرياء والتسميع والعجب لضعف إيمانه أو نفاقه ، وتقديمه العاجل على الآجل ، ورؤيته أن ما عند الناس أفضل مما عند الله تعالى ؛ فهذا قد حبط عمله أيضا ..



ففي مصنف ابن أبي شيبة ( 7/82 )عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ: << يَا عَجَبًا كُلَّ الْعَجَب ِ لِمُصَدِّقٍ بِدَارِ الْخُلُودِ وَهُوَ يَسْعَى لِدَارِ الْغُرُورِ...>>.



وفي صحيح البخاري عن جندب الْبَجَلِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائي يُرَائي اللهُ بِهِ >> . وأخرجه أحمد ( 18808 ) والبخاري ( 6499 ) واللفظ له وزاد في رواية ( 7152 ) قَالَ: << وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ >> ومسلم ( 2987 ).



3 - أن يكون قصده الإخلاص ثم يطرأ عليه الرياء فيعالجه ويدفعه فيختلجان ويتساويا فيخرج من عمله لا له ولا عليه ولم يستفد إلا التعب والجوع والعطش ؛ فرب قائم ليس له من قيامه إلا التعب ، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.



وفي الحديث << رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش >>.



حديث (صحيح) أنظر صحيح الجامع( 3490 ) [طب] عن ابن عمر [حم ك هق] عن أبي هريرة. صحيح الترغيب ( 1076 ).





4- أن يكون قصده الإخلاص فيطرأ عليه الرياء فيدفعه دفاع المستميت عن نفسه وبقوة وصدق وخوف من العاقبة ، فيرى نفسه على جسر من النار لو ترك المدافعة لسقط ، فيعالجه بقوة ويقين فيتغلب الإخلاص على الرياء وتكون له العاقبة فهذا الذي يرجى أن يكون مخلصا . لقوله عليه الصلاة والسلام :<< إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ..>> أخرجه الستة ؛ وهو حديث عظيم يشمل كل هذه المراتب ،فليس للعامل من عمله إلا ما حقق فيه الإخلاص ؛ وابتغى به وجه الله تعالى .



نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا وإياكم من هذا الصنف فإنه ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل . هذا ما قرأته عند ابن رجب ونقلته بتصرف مما علق في ذاكرتي .





وذكر ابن القيم في مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين فقال : فَصْلٌ [ أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ] :



إِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُتَحَقِّقًا بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5 ] إِلَّا بِأَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



وَالثَّانِي: الْإِخْلَاص ُ لِلْمَعْبُودِ، فَهَذَا تَحْقِيقُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5 ].



وَالنَّاسُ مُنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَيْضًا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:



أَحَدُهَا: أَهْلُ الْإِخْلَاص ِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ.



الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ.



الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَنْ هُوَ مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ، لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ.



الضَّرْبُ الرَّابِعُ: مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ. راجعه فإنه مهم فقد ذكر تحت كل ضرب منها مثلا وحُكما لذلك ولولا خوف الإطالة لنقلته .



والضابط في معرفة الإخلاص من غيره هو أنك تنظر لمن تقوم بعملك ؛ لله وليس لأحد فيه نصيب ، أم للمخلوق الذي يتبرأ منك يوم يقوم الناس لرب العالمين ، فالعمل من أجل الناس رياء وتركه من أجلهم رياء .



وَمِنْ كَلَامِ الْفُضَيْلِ : تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ: رِيَاءٌ. وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ: شِرْكٌ. وَالْإِخْلَاصُ: أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا.



فعلى العبد المسلم أن لا يلتفت إلى الناس عند قيامه بأي عمل ، وكأنه لا يرى أحدا ولا يسمع بأحد من حوله يراه ويراقبه إلا الله سبحانه وتعالى الذي يقوم بهذا العمل من أجله وابتغاء مرضاته .



وليعلم أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويعلم سريرته كما يعلم ظاهره ، وانه سبحانه لا يرضى أن يشرك معه غير حتى يسير الشرك ، وانه سبحانه يمقت الرياء والمرائين كما يمقت السيد أن يشاركه سيد آخر في عمل عبد ، فليس من الحكمة في شيء أن يعمل عبد عند طول اليوم وفي آخر النهار يؤخذ الحصيلة ويعطيها لجارك ، أو يعمل عند جارك طول اليوم في آخر النهار يأتي ليطلب أجرته عمله منك فهذا لا شيء له.



فقد كان الواحد من السلف يقف في الصلاة فيحمر ويخضر لونه، ويكاد يذهب عقله فإذا سئل عن ذلك؟ قال: أتدرون بين يدي من أقف؟ يعني: أن الواحد منهم كان يستشعر أنه واقف بين يدي الله تعالى، فيجتهد أن يخلص ويخاف أن يرد عليه عمله ولا يقبل .



وكان بعض السلف إذا قام يصلي لا يشعر بأحد من حوله حتى أنه إذا ركع جاء الحمام واستقر فوق ظهره وهو لا يشعر به ، لسكون جوارحه وطمأنينة نفسه ، وإقباله على ربه .



وبعضهم يقوم يصلي كأنه صخر لا يسمع ولا يرى أو غائب عن هذا الوجود حتى لو احترق بيته أو زلزلت الأرض من حوله لا يشعر بذلك ، ولا يتحرك ، متخف وكأن هناك من يطلبه ليقضي عليه ، فهو مقبل على شأنه لا يبالي بشيء خوافا من الوقوع في مصيدة عدوه .



وقد قطعت رجل عروة بن الزبير وهو يصلي دون بنج ولا تخدير ولم يشعر بهم لمّا قطعوها كما ذكره أهل التأريخ في ترجمته وهذا غيض من فيض ..



وهكذا في الصيام فقد كان فيهم من يطيل الصيام ولا أحد يعلم به إلا زوجته التي هجر فراشها بالقيام ونهارها بالصيام ..





وكذلك الصدقة فقد كان الواحد منهم يصل المئات من العائلات الفقيرة بالعطايا ولا يدرون من أين أتتهم ومن يقوم بذلك حتى مات فعرفوا أن فلان هو المتصدق عليهم ..



وقد أخبرنا الله تعالى عن طائفة منهم أنه اطلع على ما في قلوبهم من قوة إخلاص وصدق إيمان وقوة يقين وتوجه صحيح يطابق الباطن الخفي مع الظاهر الصريح فرضي عنهم وأرضاهم .



وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم : أصدق الله يصدقك فكان كذلك ، وهكذا لما يخالط الإيمان بشاشة القلب ، ويعلم العبد قيمة العبادة لله ، والجزاء عليها ، وقيمة الدنيا بالنسبة للآخرة ، ويعلم جزاء الناس الذين يعمل لهم ويتقرب إليهم ، مع أنهم لا يملكون له شيئا ولا يغنون عنه مثقال ذرة، ويقارن ذلك بجزاء الله العظيم الكريم الذي لا يقبل من العمل إلاما كان خاليا من الشرك الأصغر وابتغي به وجهه ويجازي عليه الجزاء الأوفى والرضوان الذي لا يفنى .





ومنها أنه يجب عليه أن يصحح نيته ، وقصده ، ويجاهد نفسه في ذلك ، ولا ينبغي أن يتحدث العبد بما كان منه في خلواته ولا في ليله ولا في نهاره مما كان بعيدا عن الناس من عباداته حتى يقال فلان فعل كذا .. وفلان قال كذا ..



إلا في حدود ضيقة جدا حين يعلم من نفسه أن سماع الناس وتعجبهم وكلامهم لا يؤثر في نفسيته ، ولا يغير من طمأنينته وخشوعه في أعماله ، فالأمر خطير جدا فقد أَخْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوَّلِ ثَلَاثَةٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ: قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَالْمُجَاهِدُ، وَالْمُتَصَدِّقُ بِمَالِهِ، الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ، فُلَانٌ شُجَاعٌ، فُلَانٌ مُتَصَدِّقٌ، وَلَمْ تَكُنْ أَعْمَالُهُمْ خَالِصَةً لِلَّهِ. والحديث رواه مسلم ، وقد كان أبو هريرة – رضي الله عنه- كلما حدث بهذا الحديث غشي عليه .



ومنها أنه إذا أظهر العمل أو حدث به في الحدود الضيقة أن لا ينتظر من أحد ثناء ولا مدحا ، ولا جزاء ، ولا شكورا ، ويكون قصده الحث على فعل الخير والدعوة إليه والنصح لله تعالى ، ويكون قصده ليقتدوا به كما فعل ذلكم الصحابة الذي جاء بصرتين عجزت يداه عن حملهما ثم تتابع الصحابة حتى اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم كومين



من الصدقة فقال :<< من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ..>> رواه مسلم . فإذا كان قصده هذا فهو مأجور بكل من يفعل بعمله .



وأخيرا ، ينبغي للمسلم أن يكون خائفا وجلا من حبوط عمله لا سيما من عنده شيئا من العلم ؛ لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء ، وكثيراً ما كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول : << يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك >> صحيح الأدب المفرد ( 528 ) صحيح الجامع( 4801 ) وقال (صحيح) الصحيحة ( 2091 ) .



ويعلمنا أن نتعوذ من جميع انواع الشرك صغيره وكبيره الذي نعلمه والذي لا نعلمه وفي صحيح الأدب المفرد ( 716/ 554 ) عن معقل بن يسار قال: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام . فَقَالَ: << يَا أَبَا بَكْرٍ! لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ>>. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ <h1>عليه الصلاة والسلام



: << وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ >>. قَالَ : << قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِك َ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ>>.(صحيح) انظر صحيح الجامع ( 3731 ). </h1>



فيتعوذ بالله من ذلك ويسأل الله الثبات في كل لحظة من لحظاته، ويسأل الله - جل وعلا- أن يحسن له الخاتمة، وأن يستعمله فيما يرضيه، ولا يزكي نفسه فيقول: أنا أعمل مخلصا، وظاهري مثل باطني هذا الكلام ليس بصحيح ؛ لأن هذا اغترار، وإعجاب بالنفس، فالإنسان مع الإحسان عليه أن يخاف أن يحبط عمله ، وهذه حال السلف، كما أسلفت وكان ابن أبي ملكية يقول: أدركت ثلاثين يعني -من الصحابة- كلهم يخاف النفاق على نفسه ، هؤلاء صحابة - رضي الله عنهم - ما يقول أحدهم أنا صحابي ، ويستدل بما ثبت في فضلهم ويعتمد على ذلك ليكون مضمونا، فالسعيد من جمع بين حسن العمل وإساءة الظن بنفسه ؛ وإحسان الظن بربه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} ( 60 ) سورة المؤمنون] خائفة ، تقول أمنّا عائشة : أهم الذين يزنون، أهم الذين يشربون، أهم الذين يسرقون، قال: << لا، يا ابنة الصديق، هم الذين يصلون ويتصدقون ويصومون ويخافون ألا تقبل منهم عباداتهم>>،الله اكبر ، هذه حالهم مع إحسانهم ؛ فكيف مع الإساءة .



فعلى الإنسان أن يكون خائفاً وجلاً، لأنه ما يدريه، فالإنسان يطمئن أنه يرتاح لهذا العمل، ثم يتحقق فيه يوم القيامة {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [( 47 ) سورة الزمر] .



فعلى العبد الذي يبتغي رضوان ربه سبحانه والفوز بمرضاته أن يتعلم مداخل الشيطان ومخارجه ، وأن يتعلم العلم النافع الذي يرد به على الشبه التي تورد على نفسه وقلبه فتفسد عليه قصده ، فإذا فعل ذلك ورابط على تلك الثغور بقوة وصدق و كان العبد على ما وصفتُ فإنه يرجى له أن يكون من أهل الإخلاص والمتابعة فيرجى له القبول .



والعلم عند الله تعالى ، وصل اللهم وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



وكتب :



أبو بكر يوسف لعويسي



الدويرة الجزائر العاصمة 5/ رجب 1434 هـ الموافق 15/05/2013م



موقع مشايخ الدعوة السلفية بالجزائر

















via مدونة لكل الجزائريين و العرب http://ift.tt/1nXV9dg

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire