dimanche 30 mars 2014

شرح حديث " احفظ الله يحفظك" لابن رجب الحنبلي رحمه الله

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد



شرح ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى للحديث التاسع عشر

من جامع العلوم والحكم



عَنْ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ : كُنتُ خَلفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال :

(( يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكُ كَلماتٍ : احفَظِ الله يَحْفَظْكَ ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سَأَلْت فاسألِ الله ، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ ، لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ الله عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ )) .
رواه الترمذيُّ ، وقال : حديثٌ حسنَ صَحيحٌ .

وفي رواية غير التِّرمذي : (( احفظ الله تجده أمامَك ، تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْك في الشِّدَّةِ ، واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً )) .هذا الحديث خرَّجه الترمذيُّ من رواية حَنَشٍ الصنعاني ، عن ابنِ عباس ، وخرَّجه الإمامُ أحمد من حديث حنش أيضاً مع إسنادَيْن آخرين منقطعين ولم يُميز لفظ بعضها من بعض ، ولفظ حديثه : (( يا غلام أو يا غليم ألا أُعَلِّمُك كلماتٍ ينفعُك الله بهنَّ ؟ )) فقلتُ : بلى ، فقالَ : (( احفظِ الله يحفَظْكَ ، احفظ الله تجدهُ أمامك ، تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وإذا سألتَ ، فاسألِ الله ، وإذا استعنتَ ، فاستعن بالله ، قد جفَّ القلمُ بما هوَ كائن ، فلو أنَّ الخلق كُلَّهم جميعاً أرادوا أنْ ينفعوك بشيءٍ لم يقضه الله ، لم يَقدِرُوا عليهِ ، وإنْ أرادوا أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك ، لم يقدروا عليه ، واعلم أنَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنَّ النصر مع الصبر ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ ، وأنَّ مع العسر يسراً )) .



...

فقوله صلى الله عليه وسلم : (( احفظِ الله )) يعني : احفظ حدودَه ، وحقوقَه ، وأوامرَه ، ونواهيَه ، وحفظُ ذلك : هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتنابِ ، وعندَ حدوده ، فلا يتجاوزُ ما أمر به ، وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك ، فهو مِنَ الحافظين لحدود الله الذين مدحهمُ الله في كتابه ، وقال عز وجل : (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) . وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامرِ الله ، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها .

ومن أعظم ما يجبُ حِفظُه من أوامر الله الصَّلاةُ ، وقد أمر الله بالمحافظة عليها ، فقال : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) ومدح المحافظين عليها بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) .

وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ حافظ عليها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَه الجنَّة )) وفي حديثٍ آخرَ : (( من حافظ عليهنَّ ، كُنَّ له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة )) .

وكذلك الطهارة ، فإنَّها مفتاحُ الصلاة ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يُحافِظُ على الوضوء إلاَّ مؤمن )) .

وممَّا يُؤمر بحفظه الأيمانُ ، قال الله عز وجل : (واحْفَظوا أَيْمَانَكُم) ، فإنَّ الأيمان يقع الناس فيها كثيراً ، ويُهْمِل كثيرٌ منهم ما يجب بها ، فلا يحفظه ، ولا يلتزمه .

ومن ذلك حفظُ الرأس والبطن كما في حديث ابن مسعود المرفوع : (( الاستحياءُ من الله حَقَّ الحياء أنْ تَحْفَظَ الرأس وما وَعَى ، وتحفظ البطنَ وما حوى )) خرَّجه الإمام أحمد والترمذي .

وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظُ السَّمع والبصر واللسان من المحرمات ، وحفظُ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عَنِ الإصرار على محرم . قال الله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) ، وقد جمع الله ذلك كُلَّه في قوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) .

ويتضمن أيضاً حفظُ البطنِ من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب .

ومِنْ أعظم ما يجبُ حفظُه من نواهي الله عز وجل : اللسانُ والفرجُ ، وفي حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : (( مَنْ حَفِظَ ما بَينَ لَحييه ، وما بَينَ رِجليهِ ، دَخَلَ الجنة )) خرَّجه الحاكم .

وخرَّج الإمام أحمد من حديث أبي موسى ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : (( مَنْ حَفِظ ما بينَ فَقْمَيهِ وفرجه ، دخل الجنة )) .

وأمر الله عز وجل بحفظ الفروج ، ومدحَ الحافظين لها ، فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) ، وقال : (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ، وقال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون) إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .

وقال أبو إدريس الخولاني : أوَّلُ ما وصى الله به آدم عند إهباطه إلى الأرض : حفظُ فرجه ، وقال : لا تضعه إلا في حلال .




>>> يُتبع بإذن الرحمن






via مدونة لكل الجزائريين و العرب http://ift.tt/1jojYyj

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire