mardi 1 juillet 2014

المربي المجاهد: أحمد عاشور رحمه الله

* المقامة العاشُوريّـــــة

بقلم : البشير بوكثير



إهداء: إلى روح العلاّمة المجاهد، والفهّامة العابد، والمصلح الزّاهد "أحمد عاشور" طيّب الله ثراه، أرفع هذه المقامة، لتكون عليه علامة .





- حدّثنا بشير الثّرثار، عن بطلٍ مغوار ،قال:

رجلٌ أوتي من قوةِ الإرادة ماجعَل المفاخرَ تأتيه طوْعا مُنْقادة، ومن عزيمةِ الرّجال وهمّةِ الأبطال، ماجعلَ الجِمال تحْدو بمآثره للأجيال، ومن سِعةِ العلم، وجودةِ الحفظ والفهم، ما صيَّرَهُ مُصيبا كبدَ الحقيقة بِسهْم، ومن شدّةِ الورع، ما أهّلَهُ لمحاربة أكبرِ البِدع، ومن قوّةِ الشّكيمة ،والنّظرة السّديدة الحكيمة ، والثّباتِ على الحقّ، ومُلازمةِ أهلِ الصّدق، ماجعَلَ لَوامِع البرْق ، وقد دانتْ له بالمهارة والحِذْق، بل إنّه لَيُجَسِّد صورةَ الجزائريّ الهُمام، في أسمى مقام، ويتقلّد أعلى وسام على مرّ الأيام.

هو فَلتَة من فلتاتِ الأيام، وحلقة ذهبيّة من سلسلةِ الصّحبِ الكِرام ، في مُقارعة المُستدمر ومصارعةِ أذنابه اللّئام. شعارُه على الدّوام: تلقيحُ النُّهى والأفهام ، قبل تلقيح الأبدان والأجسام.

بمثل هذا نطق الشّاعر القمقام:

أقبلْ على النّفس واستكمل فضائلها *** فأنتَ بالنّفس لابالجسم إنسان

كلامُه أمضى من السّيف، إذا ما تصدّى للبدع والزّيف، وتحدّى في سبيل ذلك الضّيْم والحيْف، فكان في حلْقِ الاستدمار، الشّوكة والنّار، إلى أنْ تحقّقَ الانتصار، بعد طول جهادٍ وطولِ انتظار ، فحُقَّ له الزّهو والخُيلاء والفَخَار.

حين يراه الزّائر، يجول في القُرى والمداشر ،ناصحًا ومُرشدا ومُعبّرا عن المشاعر، فإنّه يهتف -توًّا-ويُفاخِر: "أنتَ لعمري المجاهد الثائر، والعالم الباهر الآسر ، والنّجم السّائر، في سماء الجزائر" .

صَدَحَ باسمه الوجود، وشَدا بمناقِبه الصّبيُّ والمولود، في ذلك اليوم المشهود، حتى كاد ينطق الجُلمود، لاتلمني فتلك أعماله كلّها عليه شهود .

نافح َعن حِمى الوطن والطّين، مثلما ذَبَّ عن بيْضةِ الدّين، بآيِ الذّكرِ المبين، بعدما ولّى البعضُ القَهْقرى، وأدبرَ جُلُّهُم وجرى ، وآثرَ سوادُهم السّلامةَ والرّجوع َإلى الوَرَا... لكنّه ماعرفَ يوما القهقرى، بل هتفَ في الورَى : "رُوحي فِـــدى الجزائر حتّى أُوَسّدَ في الثّرى".

ماجرّبَ الهزْل والمهازِل، ولاتبرّمَ بالنّوائبِ والنّوازل، بيْدَ أنّ كلماتِه كانتْ تُزلزلُ الزّلازل، وتهزّ كلَّ ماجنٍ هازل، فتعصف بمُثيري الفتن والقلاقل، من بعضِ العُملاء القلائل .

فقد مرّتْ به ريحٌ هوجاء، وعقبةٌ كأْداء، وعواصف وأنْواء، لكنّها زادتْه شموخا وإباء، ولاغرو ...فهو الصّامد الثّابت ، الذي يقتبسُ العّزّ النّابت، من "زيد بن ثابت"، والإيمان والإشعاع، من "المُثنّى" و"القعقاع".

للعلماءِ الأطهارِ أسْرار، وخلوات في الفلوات في الأصائل و في الأسْحار، كما للثّوّار الأبرار، وِرْدُ عزيمةٍ وإصرار، على الانتصار ، لذا نجده عارفا بتلك الأسرار،وعازفا أنشودة الانتصار ، على مُريديه الصّغار ، الذين دبّجوا معه ملحمةَ الانتصار على الاستدمار .

سألني أخي "عمّار" ، أيّها الثّرثار ، هلاّ حدّثْتنا عن النّشأة والدّراسة والدّار ؟

قلت: سأجيبك باختصار، والاختصار عندي إطناب وسجْع وأشعار :

امشِ ياولدي في طريق"بيست" ، وإيّاك أنْ تخطئ وتخالط َ"الحيطيست"، دُرْ يسارا واقصدْ "دوّارتيطيست"، وسلْ مدينة "رأس الوادي"، قلعة العلم والجهاد، عن فارس الوهاد، وعالم النّجاد، ورمز المصاقعة الأمجاد، والصِّيد الأجواد، فستُجيبك على الفَوْر : إنّك عند "أحمد عاشور"، البحر الزّاخر بل الجبال حين تَمور، ذاك الفتى ديْدنُه البكور قبل كلّ سحور ،مستفتحا يومه بـ " والطّور وكتاب مسطور في رقّ منشور" .

والده "سعد عاشور"، الوالد البَرّ المبرور ، الحافظ المُتقِنُ ذو الجهد المشكور، لمّا توسّمَ في نَجْله"أحمد" أماراتِ النّباهة والذّكاء، وعلاماتِ الطُّهر والنّقاء، خصَّهُ بالعناية ، وأوْلاه كلّ رعاية، فلاحتْ له دروبُ الهداية ،وبدأت الحكاية ، مع هديل الزّوايا والتّكايا، فأكملَ حفظ َالقرآن ، مع الإجادة والإتقان، بزاوية "عين ولمان"، مُعْلنا لأذناب الاستدمار والاستكبار، موعدَ دكِّ العُروش ، انطلاقا من زاوية "ابن قطّوش"، بالعلم قبل الدّراهم والقُروش.

ولما اشتدّ عُوده، وصار لايحتاج إلى مَن يقُوده، يمّمَ شطر "الزّيتونة"، الجامعة الميمونة، والدّرّة المكنونة، فنالَ بجدارةٍ وأهليّة، شهادةَ الأهلية ، ثم أردفَها بالشّهادة الثانويّة والجامعيّة ، التي توّجت هامةَ هذه العبقريّة الألمعيّة .

وُضِعَ على رأسه الإكليل، بعد جدٍّ وكدّ وتحصيل، ومُثابرة وصبْر، تضمّختْ بأريج الرّيحان وشذى الزّهر، وسياحةٍ فوّاحة، بين دواةٍ وكتاب، واستراحةٍ نضّاحة، بين روضٍ خلاّب، وفيضِ نبعٍ مُنساب ، وتجوالٍ وتَرْحال ،بين دوح قنديلٍ مُتوهّج جذّاب.

فلاخيرَ في الحياة دون كتاب، يا أولي الألباب! وإلاّ فأنتم متعلّقون بالأوهام والسّراب ، تندبون في المحراب ، على ما خلّفتْه سياسة ُالأحزاب ،من خراب ،ولن أفصحَ حتّى لا أُتّهمَ بالقذف والسِّباب !

عكفَ على حلقات الدّروس، ونادمَ الدّفاتر والطُروس، وأطال فيها وبينها الاعتكافَ والجلوس، تلقيحا للفكر وترويحا للنّفوس ،من الجهل والعبوس ، فصِحْتُ : يا بُشرى هذا غلام بزغَتْ على يديه أقمارٌ وشموس !

يا ولدي : قد أفلحَ من جعل الكتابَ جليسه، والقرطاس نديمه وجليسه، و الدواةَ كنزه ثمينَهُ ونفيسه، و الفكرةَ بوْحه وتنفيسه .

وبعد سنين شداد، قفل راجعا إلى مسقط رأسه "رأس الوادي"، أعدَّ الزّاد،ثمّ نفخَ في الرّماد، فتحرّكتْ رِمَمُ بعضِ العباد، ونطقتْ نخْوةُ الأجواد،واشتعلتْ نارُ الزّناد.." نحن كلّنا فدى البلاد".

وبدعوته الرّوحية، أسّسَ أوّل جمعيّة إصلاحيّة، لِهدْم بقايا مِن وَثنيّة ، وغرسِ الرّوح الإسلاميّة والوطنية ، في نفوسٍ ذاقتْ من الجهل ويلات، وتجرّعتْ من طمس الهويّة السّمّ والنّكبات..

سلْ ياولدي محلَّ "محمّد بودينار"، فربما نطقت الأحجار، فهو الّذي طلّقَ الدّينار، وباع نفسه للشيخ المغوار،وللصّحب الأطهار، وجعلَ العلم هو المعيار، فكان محلُّه مدرسةً لتعليم الصّغار كما الكبار .

واسأل الشّيخ الأمين ، الذي ناهز التسعين " الأمين محمّد بن سيدي السّعيد "، عن شيخه "أحمد عاشور" الرّجل الرّشيد، الشّهم الصّنديد، الذي جمع شمل القريب كما البعيد، بتأسيسه مدرسةَ "التّهذيب"، التي خرّجت السياسيّ المهيب، والشاعرالأريب ، والأديب اللبيب..

وسلْ حافظَ سرّه، وحاملَ مفتاحِ مقرّه المجاهد "عمّار دهّان"، عن شيخه نابغة الزّمان، ورافع لواء العلم والعرفان، في رأس الوادي وعين ولمان ،يأتيك بالخبر اليقين ، عن شيخه المخلص الأمين .

بنى المعاهد، وأسّسَ المساجد، فحرّك الجامد والخامد، ورفعَ الهِمم، بتأسيس مسجد "بئر الشّحم"، وقدّمَ الرّفد والعوْن، لمسجد "شعبة عوْن"، وأرسل الإشعاع على "دوّار لارْباع"، فحلّتْ بمقدمه نفحاتُ المؤانسة والإمتاع.

جَنَّ الليل، ودقّتْ ساعةُ الويل، وانتشر العويل، وصار الدّم كالسّيل،إنّها مجازر الثامن ماي المشؤومة، التي تركت القلوب مكلومة، بسِهامِها المسمومة.

لقي الشّيخُ الأذى والتعذيب ، بعد التّرغيب والتّرهيب، من العدوّ البعيد كما القريب ، وياويلي وياسواد ليلي ! لقد انتحرَ النّحيب، و سكتَ العندليب ، حين تمّ غلق مدرسة"التهذيب".

تنفّسَ أعداءُ المدرسة الصُّعداء، من بعض الجزائريين العُملاء، وظنّوا أنّها دُفِنتْ إلى الأبد، لكن خابَ ظنّهم فيما بعد.

رمّمَ الشّروخَ والأجداث، بعد هولِ الأحداث، فظهرت مدرسة التهذيب، بثوب قشيب، في أبهى طراز، مُحلّقةً في الفضاء كالباز، ولاتزال إلى اليوم خير شاهد، على شهامة المُعلّم القائد.

ولمّا نادى المُنادي، حيّ على الجهاد،في ثورةٍ لتحرير العقول قبل الأجساد، انطلقتْ قوافل الأجناد،التي ربّاها صانع الأمجاد، تحمي الدّيار، وتقهر قلعة الاستكبار، لأنّه لايفلّ الحديد إلاّ الحديد والنّار، فكان في طليعة الثّوّار، حين أعلنَ النّفير، فلبّاه الصّغير والكبير، وناله شرٌّ مستطير ، من عسكر "قمير"،لكن لم يعرف قاموسه المَهانة، ولم يخضع حين سيقَ لسجن "مجّانة"، بل هلّل وكبّر، واحتسب وصبر، حتى تحقّق النّصر والظفر.

ويا لَلْهوْل ...! لقد خرجَ من السّجن نصف مشلول ...وخلاصة ُالقول:

اشهدوا يا رفاق، بأنّ مدادَ علمه لازالَ في الأوراق، مثلما لازال دمه المُهراق، يردّد في الآفاق قصّة هذا العملاق.

رأس الوادي في : 30 جوان 2013م.





via مدونة لكل الجزائريين و العرب http://ift.tt/1pV7Vdb

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire